يرى بعض العلماء أن هذه المراحل عَلَى ظاهرها في الترتيب، أي أن الملك ينفخ فيه الروح بعد مائة وعشرين ليلة، فهذا وجه فهمته طائفة من العلماء، وطائفة أخرى قالوا: إن نفخ الروح يكون بعد الأربعين الأولى: وفي بداية الطور الثاني وهو طور العلقة، ويستدلون عليه بأحاديث صحيحة منها حديث حذيفة: {إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثُمَّ يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح} وقوله: {ثُمَّ يكون علقة مثل ذلك، ثُمَّ يكون مضغة مثل ذلك} استطراد فاصل لبيان أن هذه المراحل كل مرحلة منها مدته أربعون ليلة، ولا يكون المقصود أن النفخ مترتب عَلَى المراحل، هكذا فهم بعض العلماء، وتعارضت بذلك الأحاديث والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أعلم، وهذا الأمر اختلف فيه أيضاً الأطباء واختلفت أنظارهم فيه، وإن كَانَ الطب الحديث كما سمعنا ونقرأ -وعلمنا بذلك محدود- يميل إِلَى القول إِلَى أنه يكون نفخ الروح في الطور الثاني، إلا أن هناك قولاً لـابن القيم رحمه الله تعالى ربما يحل الإشكال لو تأملناه، أو لو ثبت لدينا بطريق القطع يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: هنالك ملكان: أحدهما: ملك موكل بالنطفة، وهذا يأتي علي رأس الأربعين أو بعد اثنتين وأربعين ليلة لحديث حذيفة، وأما الملك الذي يكتب الأربع كلمات فهو: ملك آخر وهو يأتي عَلَى رأس المائة والعشرين ليلة، فكأن النطفة تمر بها حالتان: الحالة الأولى: يأتيها الملك الموكل بها يغيرها ويقلبها من طور إِلَى طور، وقد تنفخ فيها الروح وتكون ذات حياة، لكن هذه الحياة حياة خاصة حياة جنينية، وأما الحياة التي هي الحياة الحقيقية التي يكون بها الإِنسَان بشراً فهي بعد المائة والعشرين والله تَعَالَى أعلم.
وأنا أقول: لا نقطع بهذا مع أنه قول تبدو عليه الوجاهة لأن الأحاديث متعارضة، وقد حاولت أن أوفق وأجمع الأحاديث عَلَى هذا القول فلم تجتمع لدي تماماً، والأمر بحاجة إِلَى مزيد تتبع، ولعل الله أن يفتح لنا فيه، ويراجع شرح الحديث في جامع العلوم والحكم لـابن رجب، وشفاء العليل لـابن القيم.